الأذان والخطبة

 بين العربية والتركية

 

فتوى وتوجيه

بقلم

المرحوم الشيخ على رضا  قدسى القنوى

مترجمةعن التركية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الذى جعل لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها ، وأكثرها تأدية للمعانى التى تقوم بالنفوس . فلهذا أنزل أشرف الكتب السماوية بأشرف اللغات على أشرف الرسل . بسفارة أشرف الملائكة . وكان ذلك فى أشرف بقاع الأرض . وابتدأ إنزاله فىأشرف شهور السنة وهو شهر رمضان فكمل من كل الوجوه.

     والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي العربي المكي الهادي إلى أوضح السبل الذي أرسله رب العالمين إلىجميع خلقه من الانس والجن ، من بعثته صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ، وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه ، وعمل بشرعه وسنته .وسلم تسليما كثيرا والحمدلله رب العالمين.

 

 

جواب رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أخى العزيز:

    استلمت رسالتكم بامتنان كثير وهي التى تقولون فيها : إن الناس فىرضى وامتنان للأذان والاقامة باللغة التركية ، حتى سمعتم أحد القرويين يخاطب أحد المؤذنين باللغة التركية قائلا :( رضى الله عنك الآن فهمت ما تقوله ):

  وفهمت أنكم ترغبون فى معرفة رأيى العاجز فى هذا الخصوص .

قال الله تعالى فى كتابه العزيز فى سورة الجمعة – الآية 9

 

  عزيزى : إن بقاء الإسلام وغلبته لمعارضيه منوط بتأمين الوحدة الإسلامية .

  وتأمين الوحدة الإسلامية متوقف على وجود لغة مشتركة بين المسلمين المنتسبين للغات مختلفة .

  وهذه اللغة يجب اختيارها بحيث لايعترض عليها أحد من القبائل الإسلامية ، وتحظى بموافقتهم جميعا .

  واللغة التى تحوز هذه الأوصاف المذكورة هي اللغة العربية التي بلغت الإسلام ، والتي نزل بها القرآن الكريم ، وهي اللغة العربية .

  لأنه بالنظر من الناحية الإسلامية لا تستطيع أمة أن تدعي ترجيح لغتها على لغة القرآن الكريم , لتتخذ لغة عامة مشتركة للمسلمين .

  وبهذا يكون قد تم تحقيق لغة إسلامية مشتركة باتفاق المسلمين وبلا أدنى معارضة من أحد .

 ولهذا كان مكروها على المسلم القادر علي تعاطى الأفكار بالعربية أن يتكلم بغير العربية .

  ولا تعترض مشكلة تعلم كل مسلم بجانب لغته الخاصة اللغة العربية ، ووجود أمم تتكلم اللغتين وأكثر تكفى لإثبات ذلك .

  وأولى الفوائد الجليلة التي يمكن تحصيلها من جعل العربية لغة مشتركة للمسلمين ، هي : فهم وتأمل أحكامهم الشرعية من خلال النظم المعجز ، الذى نزل به القرآن الكريم .

  والقرآن الكريم مما يتضمنه من الإعجاز في الدرجة الأول ألفاظه وتراكيبه ، باعتبار إفادته السوق فصاحته وبلاغته .

  ومايحوزه النظم القرآني الكريم من تأثيرعظيم على قلوب الموحدين مشهود لا يمكن إنكاره .

  والذين لا يتفهمون معانيه من المؤمنين يبدو عليهم التأثر أثناء تلاوة القرآن الكريم كثيرون جدا .

  وفي هذه الحال لا يمكن إنكار ما لتعلم اللغة العربية من أهمية كبيرة ، من الناحية الإجتماعية والأخلاقية الإسلامية ، لعامة المسلمين وعلى الأقل للذين تلقوا تعليمهم بعض الشىء .

  لتبليغ الأحكام الشرعية وتقديم مايحتاجه الناس من  نصائح , وما تقتضيه ضرورة الأحداث العالمية من تقديم تلقينات , وإصدار تعليمات .

  يستحسن , بل يكون ضروريا جدا أن يكون كل ذلك باللغة الإسلامية المشتركة .

  فالأمم التى تشكل الوحدة الإسلامية , والتى تتكلم اللغات المختلفة ، مع أهمية المشاكل التى تصادفها عند ما تتلقى التعليمات المذكورة بلغاتها الخاصة ، ولا يخفى ما فى ذلك من الأضرار .

  وأولاها التى تلفت النظر هى التفرق -  الذى يضاد الوحدة ، فمثلا دار الخلافة مكة المكرمة والمدينة المنورة والبلاد التى يسكنها الأقوام التى تتكلم اللغات المختلفة ، فمن الضرورى إقامة المساجد والجوامع المخصوصة لأهل كل لغة ، وايراد الخطب بلغاتهم المختلفة .

  وهذا يشكل أساس التفرقة بين المسلمين الذى يجب اجتنابه ,

  والخلفاء والأمراء الذين تعاقبوا من عصر السعادة إلى الآن ، الذين التزموا بالأحكام الشرعية ، لم يمر ذلك فى خاطرهم فضلا عن التجويز ، لكونه يوجب ارتكاب خطأ
وبالأخص الخطبة التى تورد فى عرفات ، فمن الواضح أنه لا يوجد لها حل.

  فالسبب الوحيد الذى يتعلل به والذى يوجب كون الأذان والخطبة باللغات المختلفة وهو : عدم معرفة المصلين اللغة العربية من جهة عدم معرفة المصلين اللغة العربية من جهة عدم فهمهم للأذان والإقامة والخطبة ، وهذا ليس عذرا مقبولا ، لعدم وجود مشقة فى تعلم اللغتين .

بل إن تجويز ذلك ليس إلا إظهار الرضا ببقاء الناس فى الجهل ، وبذل الجهد والسعى لإبقائهم أبديا فى حال العطالة والجهل .

  فالقرآن الكريم الذي هو رأس مال كل مسلم لتحقيق سعادته الدنيوية والأخروية .

  فعدم الإهتمام والسعي لتعلم لغة القرآن ، وانتظار ترجمته إلى لغته الخاصة ، فمن البديهي أنه يكون سوء أدب واضح .

  والحاصل أن القرآن لا يسعى زحفا لطالبه ، بل طالبه يسعى إليه زحفا للصعود إلى ذلك المقام المعلى .

  بالفرض لو أجزنا لهذ العذر الواهي الأذان والإقامة والخطبة باللغات المختلفة ، وهل لا يؤدي ذلك إلى تجوبز تلاوة ترجمة القرآن  فى الصلاة ؟

وألا نتواجه بمناظر قبيحة كأن نرى مساجد وجوامع خاصة لأهل كل لغة وتحمل أسامي مختلفة ؟

  فالسياسيون الذين يرغبون فىالإستفادة من هذه التفرقة قد يوصون بذلك ، ويحاولون التوسع ، ولكنهم لا يتجرؤن ولا يستطيعون إنكار أن الإسلام لايوافقهم فى ذلك .

  هذا .. والذين التزموا الأذان والإقامة والخطبة باللغة التركية ، فهؤلاء بعلم منهم أو بغير علم ، يعملون على تحطيم الوحدة الإسلامية شيئا فشيئا بمثل هذه التفرقة ،ويجب أن يعلموا ذلك إذا كانوا لايعلمون .

  الحاصل تغيير هذه الأصول التى تطابق جميع طرق الفوائد والترقي والتي جرى قبولها والعمل بها بلا أدنى معارضة من جميع البلاد الإسلامية إلى الآن ، في هذه الحال لايمكن لأرباب البصيرة إسنادها لشيء سوى زعزعة الوحدة الإسلامية .

  على أن جواز أداء صلاة الجمعة والأعياد فى أماكن مختلفة فى بلدة واحدة ليس أمرا متفقا عليه بين أئمة المسلمين .

  وإذا تأملنا هذا جيدا من ناحية حكمة التشريع ؛ نرى أنه لاينبغى الكلام فى إيراد الخطبة بغير العربية .

  وصلاة الجمعة والعيدين مع كونها وظيفة عبادية ، إلا أنها مما يمتاز به الإسلام أيضا من التظاهرات الملية والإحتفالات الخاصة .

  ولأجل هذا كان الإغتسال وارتداء أنظف الملابس وأجملها ، والقصد إلى المصلى من طريق والعودة من طريق أخرى .

  والجهر بالتكبير في عيد الأضحى حين الذهاب والعودة إلى المصلى جعل مندوبا ومسنونا .

  ومن جهة أنه يقتضى ضياع مظهر من مظاهر العظمة والشوكة الإسلامية ومدار التحابب والتعارف الإسلامي ، لهذا كان إيراد الخطبة بغير العربية غير مستحسن .

  ومن جهة الأدلة الشرعية كان مرجوحا . وفي هذه الحال اختيار قول الأئمة القائلين بالتجويز ، لمجرد التسهيل على الناس  ، وإقامة جوامع مختلفة ، لإيراد الخطبة باللغات المختلفة ، ليس إلا إهمالا لحكمة التشريع ، وسوق الناس إلى الكسل والبطالة .

  ولما كانت هذه الصلوات اجتماعا إسلاميا عاما ، كان من شروطها الأساسيه إقامتها في بلدة تجري فيها الأحكام ، وينفذ فيها القضاء ، والذي يترأس هذا الإجتماع يكون رئيس تلك البلدة ، أومن يقوم بتنصيبه لهذه المهمة ، ويعني ذلك أن إقامة هذه الصلوات تحت نظارة الحكومة كان من شروطها الأساسية .

  وفي الواقع ليس هذا شرطا متفقا عليه بين الأئمة ، إلا أنه بالنظر إلى حكمة التشريع وبالنظر إلى ضرورات الأمن ، يبدو لنا قوة هذا الرأي واضحا .

  ومما يفهم مما سبق أن هذه الصلوات مع كونها عبادة لله سبحانه وتعالى ، لها ارتباط وثيق بالسياسة والإقتصاد الاسلامي حتى أن المواقع المخصصة لاجتماع أهل الإيمان لتأدية هذه الصلوات ؛ في أطرافها والقرب منها تقام T  tسواق عامة كالبازار وساحة للإحتفالات ، ليكون لهم نصيب وحظ وافر بجانب العبادة في السياسة والإقتصاد .

  فالمؤمنون قبل أداء الفريضة وبعدها يستفيدون اقتصاديامن تلك الأسواق الحافلة ؛ بالإشتغال بأعمال التجارة المختلفة ، وإلى ذلك يشير القرآن الكريم بصورة واضحة .

  فالآن علينا أن نفكر بإنصاف ، فالمسلمون الذين ينتمون لألسنة مختلفة ، فى جمع غفير منهم ، من أي وجهة نظر يرى عدم ضرورة وجود لغة مشتركة بينهم ؟

  مع احتمال الأخذ والعطاء والبيع والشراء من الناحية اللأقتصادية ، ألا يرى من الأهمية بمكان وجود لغة محترمة ومشتركة لهذا الجمع الغفير ؟

  فصلاة الجمعة التي يخالف أذانها وإقامتها وخطبتها ، ويجهر فيها بالتلاوة بخلاف سائر صلوات النهار ؛ ألا تدعو الحاجة هذا الجمع الغفير لفهم القرآن والخطبة ؟

  إيراد الخطبة في هذا الجمع الغفير بأي لغة أخرى مع عدم الإستفادة منها سيكون سببا لانزعاج عدد كبير منهم لأن الخطبة بهذه اللغة لن يكون محل رضى من الجميع .

  ولهذا فأهل اللغات الأخرى لن يتمكنوا من تفهمها ،والتلذذ بها ، ولم يكونوا من الناحية الدنية ملزمين باحترامها ، فالجماعة التى تصغى إلى مثل هذه الخطبة برضى منها أوبغير رضى ؛ فمن البداهة بمكان تخمين إحساساتهم القلبية وهم يغادرون المكان .

فالإسلام في هذه الصلوات جواهر الأحكام التى يعتبرها وأهم سياستة التى يرمي إليها هي تأمين أسس الوحدة الإسلامية .

  فبذل الجهد لبيانها للذين لا يستطيعون الإستفادة بسبب الجهل والبطالة ، من الواجبات الدينية ؛ وعنوان الترقي والمدنية .

  وبالعكس يكون محو الموجود، وإخراج الموضوع عن أساسه فالذين يسعون لذلك غفلة منهم لا حق لهم

  والحاصل أن الكلام الذى يصدر لترويج مثل هذه الأمور ، هو من أعداء الوحدة الإسلامية ، ويروج عند من طمست بصيرته أو فسد فكره ، وما هو إلا من قبيل هذيان محموم .

  فنسأل الله سبحانه أن يحفظ المسلمين من شر من يروج بعلم منه لمثل هذه التخريبات . ومن شرمن يعمل لنشرها بغير علم منه . آمين .